احمد الملا
الإنسانية, مصطلح يطلق على صنف من البشر وليس كل البشر, يطلق على من تحلى وتخلق بأخلاق وقيم ومبادئ وعادات وتقاليد من شأنها أن تصون وتحفظ له ولمن تعايش معه من أفراد أو مجتمع حرية الفكر والمعتقد وتضمن له الحياة الحرة الكريمة, وبشكل مختصر هي الصورة التي يحب أن يتعامل بها البشر معه من قبل الأفراد الآخرين, ومن كان يتعالى على غيره من البشر فانه يُخرج من عنوان الإنسانية, لأنها تمثل الحد الفاصل بين البشر وبين البهائم, فيوجد الكثير من البشر لكنهم لا يتمتعون بصفات الإنسانية, بل بصفات حيوانية وحشية.
فعندما أوجد الله سبحانه وتعالى البشر, ومن عطفه وحبه واهتمامه بهم لم يتركهم دون إرشاد أو توجيه, ومن أجل الحفاظ عليهم من المنزلقات التي تؤدي بهم إلى المهالك سواء كانت تتعلق بطبيعة العبادة أي بين البشر وربهم أو تتعلق بطبيعة العلاقات البشرية أي في ما بين البشر أنفسهم, ومن أجل ذلك جعل الله سبحانه وتعالى الرسل والأنبياء والصالحين هم قادة ورموز للمجتمعات البشرية, وقد تميز هؤلاء بميزات الإنسانية واتصفوا بصفاتها, فكانوا هم الحملة الحقيقيين لعنوان الإنسانية ومطبقين لها في علاقتهم مع الله سبحانه وتعالى أو مع بقية البشر, وها هي كتب السير والتاريخ تتحدث لنا عن كل الأنبياء والأئمة والصالحين فقد تصدر الجانب الإنساني لديهم مقدمة تلك الكتب.
فمرجعية الإنسان هي مرجعية إنسانية قبل كل شيء, وما يؤكد ذلك انه كل التعاليم السماوية جاءت من أجل تقويم البشر ليصل لمرحلة الإنسانية, بل حتى المعتقدات والأديان غير السماوية تؤكد أيضا على الجانب الإنساني, لكن وللأسف الشديد نجد في العقود الأخيرة المنصرمة والحالية إن من تصدى لعنوان القيادة – المرجعية - للبشر قد تخلى عن الصفات الإنسانية التي كان يتميز بها قادة ورموز الأديان من أنبياء ورسل وأئمة صالحين, فأخذوا يفرقون بين البشر على أسس طائفية ومذهبية وعرقية وقومية, وبصورة بعيدة عن كل التعاليم السماوية, حتى أخذت مشاهد القتل والتكفير والتهجير والترويع تزداد يوما فيوما وبشكل مرعب بسبب ما يبثه هؤلاء المتصدين من فتاوى وأفكار ومعتقدات بعيدة عن الجانب الإنساني, حتى أنه مثل هؤلاء رموز عملوا وبكل جهد على إبعاد كل من فاقهم إنسانية عن الساحة أو عنوان القيادة من خلال تسخير كل ما لديهم من ماكينة إعلامية وأموال وحتى مجهودات عسكرية, وذلك لخوفهم على منصبهم الذي جعلهم يتجردون من الإنسانية, فأخذوا يتعاملون مع البشر بطبقية وفوقية, بل وصل بهم الأمر بان لا يخرجوا للناس أو يخالطوهم أو يتعايشون معهم ليعيشوا ما يعيشه بقية البشر من محن وويلات أو أفراح ومسرات.
وللأسف, إن هؤلاء ما زالوا الآن يتصدرون عنوان المرجعية, بل حتى وصفوا بأوصاف جعلتهم بمنزلة الإله, وهذا الأمر محصوراَ في العراق, فأصبح هؤلاء هم صمام الأمان, وهم المحافظ على الأعراض, وهم المدافعين عن المقدسات, وهم الذين وحدوا الشعب, وهم, وهم, إلى ما لانهاية من الأوصاف, لكن واقع الحال يشير إلى خلاف ذلك تماما, لأننا لم نسمع أو نرى أو نقرأ لهم خطاب أو بيان أو موقف, أو تصريح, أو محاضرة, أو أي فعل يدل على كل تلك الأوصاف, بل كل ما صدر منهم وكما أسلفت هو عبارة عن تعامل بعنصرية ومذهبية وطائفية وعرقية بصورة بعيدة عن الإنسانية, وهؤلاء نحن لسنا بحاجتهم ولا نريدهم, لأنهم أبعدونا عن معنى الإنسانية وجردونا منها, وما يشهد لذلك هو مشاهد القتل المرعبة التي نشاهدها يوميا على القنوات الفضائية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي, صور وأفلام لعمليات حرق وقتل وذبح وتمثيل بالجثث بشكل بعيد عن الإنسانية, وهذا سببه تلك المرجعيات اللاانسانية.
فنحن بحاجة إلى مرجعية إنسانية, تعلمنا وتزرع فينا معنى الإنسانية, واحترام الآخرين مهما كان الخلاف عقائدي أو فكري, نحن بحاجة مرجعية إنسانية, كمرجعية السيد الصرخي الحسني التي علمتنا الحب والولاء للوطن والشعب بعيدا عن الطائفية والمذهبية, نحن بحاجة تلك المرجعية التي حرمت دماء الجميع مسلمين وغير مسلمين, وليس تلك التي أفتت بقتل المسلمين, نحن بحاجة تلك المرجعية التي أسست لكل معاني الإنسانية بخطابها السامي الذي تجلت فيه كل معاني السلام والرحمة والوئام .
نحن بحاجة تلك المرجعية الإنسانية التي سطرت أروع الحلول وأنجعها من اجل إنقاذ العراق وشعبه مما يمر فيه وكان آخرها " مشروع خلاص " الذي مثل قمة الإنسانية من حيث آلية الحفاظ على كرامة الإنسان العراقي وهيبته وعزته التي خدشها كل من تجرد من الإنسانية وخصوصا ما يخص العراقيين النازحين ... اذ نص هذا المشروع على ..
(2ـ إقامة مخيّمات عاجلة للنازحين قرب محافظاتهم وتكون تحت حماية الأمم المتحدة بعيدةً عن خطر الميليشيات وقوى التكفير الأخرى .) .
أما بخصوص من أسس للطائفية والقتل والتهجير والترويع والتقسيم ممن يدعم المرجعيات اللاانسانية, ونقصد بها ايران صاحبة اليد الطولى في كل المعاناة التي يعاني منها العراقيين خصوصا وبعض الدول العربية عموما ... فكانت الفقرات هي ....
(10- إصدار قرار صريح وواضح وشديد اللهجة يطالب إيران بالخروج نهائيا من اللّعبة في العراق حيث أنّ إيران المحتل والمتدخّل الأكبر والأشرس والأقسى والأجرم والأفحش والأقبح .
11- في حال رفضت إيران الإنصياع للقرار فيجب على الأمم المتحدة والدول الداعمة لمشروع الخلاص أن تُجنِّب العراقيين الصراع فتؤمِّن مناطق آمنة محميّة دولياً يعيش فيها العراقيون تحت حماية ورعاية الأمم المتحدة ، ونترك جبهة قتال مفتوحة ومباشرة بين إيران والدولة الإسلامية (داعش) يتناطحان ويتقاتلان فيها ولتكن (مثلاً) محافظة ديالى وليستنزف أحدهما الآخر وننتظر نتائج القتال وفي حينها سيكون لنا قرار وفعل مع من يبقى منهما ، فنحن غير مستعدّين أن نجازف بحياة أبنائنا وأعزائنا بحثّهم على دخول حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل بل كل الخسارة والهلاك علينا فلا نرضى أن نكون حطباً لنيران صراعات قوى محتلّة غاصبة طامعة في خطف العراق واستعباد شعب العراق ...).
فبهذا الإيجاز البسيط والمقارنة المقتضبة بين تلك المرجعيات الإنسانية واللاانسانية, نلاحظ كم نحن كشعب وأمة بحاجة إلى مرجع إنسان وبالتالي نعود إلى اصل مرجعية الإنسان وهي الإنسانية, فكلما كان المرجع إنسان كلما أصبحت البشرية تمتاز بالإنسانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق