بقلم احمد الملا
بادئ ذي بدء أود أن أوضح لمن غاب عنه معنى المثل القائل ( على من تقرأ مزاميرك ياداوّد ) يضرب هذا المثل لمن لا يستفيد، مهما كان الكلام حكيمًا جليلًا، حتى لو قرئت له مزامير داود وهنا كلمة مزامير هي جمع, ومفردها مزمور أو مزموري وهي عبارة عن تسابيح لله، وحكم ومواعظ وكلام فيه حمد وسجود وتمجيد له جلت قدرته.
وعودة لمقالنا, بعد توالي الأزمات التي عصفت بالعراق, خصوصا سنة 2003 وما تلاها من سنوات عجاف أكلت الأخضر واليابس في بلد الرافدين, بسبب فساد اغلبيه السياسيين ومن يقف خلفهم من رموز دين, بالإضافة إلى غياب وانعدام الحلول التي من شأنها أن تنقذ العراق وشعبه مما هو فيه.
وفي خضم هذه الدوامة برزت مرجعية السيد محمود الحسني الصرخي, التي أصبحت من أبرز المرجعيات العراقية العربية المعاصرة, وأبرز ما ميز هذه المرجعية الشابة هو رفضها ومناهضتها للمحتل الأمريكي وكذلك الاحتلال الإيراني, وكل ما ترشح من هذين الاحتلالين, بالإضافة إلى رفضها لدستور برايمر الذي أثقل كاهل العراقيين بفقراته المتناقضة من جهة ومن جهة أخرى سهولة تأويل فقراته من قبل السياسيين بما يتناسب مع مصالحهم الشخصية والفئوية, وقد ترجمت هذه المرجعية العراقية مواقفها المناهضة للاحتلال إلى جملة من البيانات والخطابات والتصريحات والمحاضرات, بالإضافة إلى مواقفها على ارض الواقع من تصدي للمحتل ومظاهرات ووقفات احتجاجية.
كما كان لمرجعية السيد الصرخي الدور الكبير في وأد ما يسمى بـــ" فيدرالية البصرة والجنوب " ذلك المشروع التقسيمي الذي أسست له الإمبراطورية الفارسية في العراق من خلال بعض النفعيين, حيث أريد من هذا المشروع تقسيم العراق إلى دويلات صغيرة بشكل يخدم أهداف المحتل الإيراني والمحتل الأمريكي هذا من جهة, ومن جهة أخرى أريد منه سرقة ثروات وخيرات العراق خصوصا النفطية, لكن موقف هذه المرجعية كان لها الدور الكبير في إفشال هذا المشروع الخطير.
أما المشروع الطائفي, فقد سطرت مرجعية السيد الصرخي الحسني أروع المواقف وأنبلها من أجل إفشال هذا المشروع الدموي الذي مزق شعب العراق, وذلك من خلال اتخاذ هذه المرجعية منهج الاعتدال والوسطية في الطرح والنقد, كما بينت حقيقة المتسللين إلى الدين الإسلامي من منتحلي التشيع والتسنن, وذلك من خلال محاضرات التحليل الموضوعي في التاريخ الإسلامي, ودافعت عن رموز الإسلام وقادته من صحابة وأمهات المؤمنين من زوجات النبي الخاتم محمد " صلى الله عليه وآله وسلم " وفضحت مرجعيات السب الفاحش المدعومة من قبل إيران التي أوجدتها في العراق من أجل إشعال فتيل النار الطائفية, وقد بذلت هذه المرجعية كل الجهد والسعة في لم شمل العراقيين, حتى أصبح العراقيون الشرفاء من كل الطوائف والملل والنحل على معرفة واضحة ويميزون بين العراقيين الخلص لوطنهم وشعبهم وبين المليشياويين وتجار الدم والطائفية, وهذا بفضل ما انتهجته مرجعية السيد الصرخي من منهج الاعتدال والوسطية والحيادية في الطرح وشمولية الخطاب العابر للطائفية, وإنصاف المقابل مهما كان دينه أو مذهبه أو قوميته, والتأكيد على الهوية العراقية وجعلها هي الاسمي والعنوان الأوسع والجامع لكل العناوين الأخرى.
أما بالنسبة للأزمات الأمنية التي عصفت بالعراق وشعبه, فقد كان لمرجعية السيد محمود الحسني الصرخي العديد من المواقف التي وضعت النقاط على الحروف ورسمت خارطة طريق جديدة للعراق وشعبه كان من الممكن أن تكتب للعراقيين الخلاص مما هم فيه من واقع أمني مزري, هذا فيما لو أخذ بتلك المواقف وتم تطبيقها على أرض الواقع, ولعل "مشروع خلاص" الذي صدر عن المرجع الصرخي والذي جاء من أجل خلاص ارض الرافدين من هذا الواقع المضني الذي أوجده ساسة الفساد, وعرّابي الطائفية, ودعاة التقسيم, فكانت ومازالت تصدر المواقف تلو المواقف من هذه المرجعية وهي بمثابة مزامير داوّد " عليه السلام " في قومه, لكنها لم تجد الأذن الصاغية من هؤلاء القوم, فقد استغشوا ثيابهم, وأغمضوا أعينهم, وصموا أسماعهم, عن مزامير المرجع " محمود " ... فلو سئلنا هذا المرجع العراقي على من تقرأ مزاميرك ؟.
تعطي الحلول ... لكن لا يؤخذ بها !!
تكشف الأسباب ... لكن يُغض الطرف عنها !!
تُظهر الحقائق ... لكن يُعتم عليها إعلامياَ !!
تُعطي وتُقدم النُصح ... لكن القوم لا يحبون الناصحين !!
لوجدنا الجواب منه كما قاله في إحدى المحاضرات التاريخية العقائدية ...
((وجدت بأن واجبي أن أتواجد في هذا المكان لأدفع الضرر عن شعبي عن بلدي عن المسلمين جميعا ))...
فالواجب الشرعي والأخلاقي والعقلي يوجب على هذا المرجع العالم أن يقدم النصح والإرشاد ويعطي الحلول والآراء من اجل العراق وشعبه, لأنه مسؤول عن الرعية خصوصا وهو يحمل عنوان " المرجعية " التي يعتبرها جميع المسلمين تمثل الامتداد الطبيعي للأنبياء والرسل والأئمة والصالحين, فلا يتأثر بصدود وعزوف الناس عنه فالهمج الرعاع كثر, ومن يضل الناس ويبعدهم عن جادة الصواب كثر, والمغرر بهم كثر, وطريق الحق صعب وشائك فقد روي عن الإمام علي عليه السلام (أيها الناس... لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله، فإنّ الناس اجتمعوا على مائدة شبعها قصير، وجوعها طويل).. ونبي الله داوّد "عليه السلام" بما يملكه من مزامير لم تنصره إلا فئة قليلة على جالوت ...
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو ديدين المصلحين على مر التاريخ وشعارهم هو قوله تعالى في سورة الأعراف الآية 164{ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }, فمهما عملت قوى الظلم والضلال من أمريكا وإيران ومن لاذ بعباءتيهما من سياسيين ورموز دين لن يثنوا المرجع الصرخي " محمود " عن قراءة مزاميره التي كانت وما زالت شمعة مضيئة وسراجاً وهاجاً وقنديلاً منيراً لكل العراقيين, وإن لم يؤمنوا بها إلا بعد حين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق