احمد الملا
في خضم الأزمة
الأمنية التي يعاني منها العراق وفي حالة من البحث عن أي علاج أو منفذ للخلاص من تنظيم
الدولة في العراق والشام "داعش" حسب التصريحات الإعلامية الظاهرية من قبل
الدول الشرقية وعلى رأسها إيران من جهة ومن جهة أخرى الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا,
وبعد الغوص في التفكير بحثا عن خلق قوى تزيح " داعش " عن الأراضي العراقية
كانت عصارة ذلك التفكير هو إيجاد قوى عسكرية من قبل أبناء المحافظات والمدن التي احتلها
" داعش " بالتحديد من أبناء المحافظات السنية – كما يحب أن يسميها البعض
– لأنهم الوحيدون القادرون على مقارعة تنظيم الدولة " داعش " والقضاء عليه
شريطة تجهيزهم بالمال والسلاح.
وبالفعل بدأت حملة
الترتيب والتنظيم والإعداد لتشكيل هذا الجيش الذي أطلق عليه اسم الحرس الوطني والذي
هو عبارة عن صحوات جديدة لكن تحت مسمى مختلف, لكن الغريب بالأمر إن هذا المشروع حصل
على قبول كل الأطراف المتصارعة في العراق واقصد الأطراف الدولية خصوصا الغريمين أمريكا
وإيران ؟! فهل يعقل إن تكون إيران تبحث عن مصلحة العراق وشعبه بحيث أنها توافق على
مشروع أمريكي في العراق ؟! أو العكس ؟!.
لكن وحسب تصوري
إن التوافق الأمريكي الإيراني على هذا المشروع هو عبارة عن غاية لهدف مستقبلي منشود
في العراق من قبل هاتين الدولتين, فأمريكا وكما هو معروف عنها لا تجد حل أو تعالج أزمة
ما إلا بعد أن تؤسس وتجذر لخلق أزمة بديلة لها لكي تحصل على المبرر والعذر في التدخل
العسكري والسياسي والاقتصادي لكي تستمر في استحلاب العراق وسرقة ثرواته بشكل أو بأخر,
فهي الآن تؤسس لوجود مليشيات أو منظمة إرهابية جديدة تحت عنوان الحرس الوطني لكي يمارس
أفعال وأعمال لا تختلف كثيرا عما تقوم به داعش الآن, والسبب في رسم هذا التصور عن الحرس
الوطني هو إن هذا الحرس يراد منه التأسيس على أساس طائفي مذهبي غير وطني وكل ما يبنى
على باطل فهو باطل, كل شيء أساسه خطأ يكون خطأ.
أما إيران ومصلحتها
في هذا التشكيل الجديد فهو سوف يعطيها مستقبلا العذر في التواجد العسكري وبصورة أوسع
وأكثر لأنها تبحث عن أي عذر وشرعية من أجل التدخل في الشأن العراقي من أجل مراقبة مصالحها
وأجنداتها في العراق, فبعد أن يكون هناك نشاط طائفي لذلك التشكيل العسكري " الحرس
الوطني " تبدأ إيران بالتدخل بحجة الطائفية والمذهبية, ومن هنا جاءت نقطة الالتقاء
والتوافق بين أمريكا وإيران على مشروع الحرس الوطني.
ولكن هذا الأمر
بنفس الوقت يكشف مدى غباء إيران والقصور الذهني الأمريكي, لان كلتا الدولتين في خضم
هذه الدوامة بدأتا يغطسان في مستنقع الاستنزاف المالي والاقتصادي الذي سيجعل من اقتصاديهما
اقتصادا ركيكا وعرضا للانهيار السريع خصوصا والعالم الآن يشهد انخفاضا غير مسبوق في
أسعار النفط, فإيران الآن هي تعيش الأزمة الاقتصادية ومازالت تجازف في الغوص في بحر
المكر الأمريكي في العراق, وأمريكا تسعى لخلق منظمة سوف تسبب لها استنزافا اقتصاديا
وعسكريا في المستقبل كما حصل مع تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الآن في العراق والشام.
وهنا أود أن استذكر
كلام المرجع الديني العراقي العربي السيد الصرخي الحسني في اللقاء الصحفي الذي أجرته
معه وكالة أخبار كل العرب يوم الثلاثاء 13 / 1/ 2015م حول الصراع الأمريكي الإيراني
في العراق ... حيث قال سماحته ...
{ ... 3- والمعروف
والواضح عندكم أَنَّ خلافَ وصراعَ المصالحِ لا يمنعُ اَن يجتمعَ الخصمان فتجمعُهما
المصالحُ والمنافعُ فيحصلُ الاتفاقُ بينهما على ذلك ، وكذلك ان ظَهَرَ خطرٌ يهدِّدُهما
معاً فيمكن اَن يتَّفِقا ويجتمِعا على محاربته معاً.
4- أما لماذا تسمح
أميركا لإيران بقيادة المعركة في العراق فببساطة لاَنَّ أميركا هنا تفكر بذكاء نسبيّ
أمّا إيران فتفكيرُها يسودُه الغباءُ عادةً فوقعت في فخ أميركا التي أوقعتها في حرب
استنزاف شاملة لا يعلم إلا الله تعالى متى وكيف تخرج منها ، ومن هنا فان أي تنسيق بين
أميركا وإيران فهو تنسيق مرحلي مصلحي لابد أن يتقاطع في أخر المطاف.
5- والذكاء النسبي
الأميركي اقصد به إن أميركا تعتقد حاليا أنها تحقق استنزاف وإضعاف إيران ، وكذلك اِستنزاف
وإضعاف الدولة الإسلامية (داعش) ، واستنزاف وهتك وتحطيم وتدمير الشعب العراقي ، إضافة
للاِستنزاف الاِقتصادي للدول الخليجية الداعمة ماليا ، وإضافة لذلك كلّه فان قبضة أميركا
وتدخلها في شؤون دول المنطقة قد ازداد وقوي وتضاعف بسبب الإرباك الفكري والأمني والمجتمعي
الذي أصاب حكومات المنطقة وشعوبها… لكن ليس كل ما تعتقده وتتمناه أميركا سيتحقق ومن
هنا قلت انه ذكاء نسبيٌّ ...}.
فما مشروع الحرس
الوطني إلا مشروع اتفق عليه الخصماء ليكون هو المكيدة والمصيدة المخبأ – حسب اعتقاد
كل طرف – لهذه الدولة أو تلك أو لهذا المحور أو ذاك, وبالتالي فهو يكشف مدى قبح وفساد
وسوداوية التفكير لدى تلك الدول التي تبحث عن مصالحها من خلال سفك دماء الأبرياء من
الشعب العراقي على وجه التحديد والشعوب العربية الأخرى التي حلت عليها لعنة القرب من
منطقة الصراع بين الشرق والغرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق