قال الإمام علي عليه السلام { اعمل لدنياك كأنك
تعيش أبدا ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا } ...
وهذا القول
يعتبر من أهم معايير الموازنة بين
الحياة الدنيا والآخرة وفيه حث الإنسان المؤمن على أن يكون موفقا في كل تصرفاته وأفعاله
ونشاطاته وكل ما يصدر منه بصورة تجعله قد كسب خير الدنيا وثواب الآخرة , وهي بنفس
الوقت لا تعطي الحق للإنسان بان يتصرف بما يحلو له في " العمل الدنيوي "
والعزوف عن الآخرة , لأنه لو عمل بما تشتهي نفسه وبدون التفكير بالآخرة فأنه سوف
يكون من الخاسرين , بل يجب أن يكون عمله لدنياه موافقا ومطابقا لما يريده الله
سبحانه وتعالى .
حيث يكون على الإنسان أن يعمل مثلا لكسب
القوت له ولعياله وبنفس الوقت يكون هذا العمل حلال وخالي من أي محرم , وهنا يكون
قد عمل لدنياه وأخرته بنفس الوقت , وكذلك
نلاحظ أن هذا القول الرائع للإمام علي عليه السلام يحث الإنسان على عدم العزوف عن
الدنيا والانقطاع عنها والاكتفاء بالعمل للآخرة , لان هذا الأمر سوف يؤدي بالحياة إلى
الجمود والتوقف , وهذا يجعل العمل للآخرة مقرونا ومرتبطا بالعمل في الدنيا , مثلا
على رب الأسرة أن يوفر لأسرته كل وسائل العيش ولا يكتفي بالعبادة فقط لان أفراد أسرته
هم من ضمن مسؤولياته , ومن أجل تحقيق مرضات الله وجب عليه أن يوفر لهم جميع
احتياجاتهم حسب المستطاع والقدرة .
فالرحيل إلى دار الآخرة يحتاج إلى زاد ومؤنة يجمع
من دار الدنيا , فالعمل بالدنيا هو زاد الآخرة , أن كان جيدا فقد نفع من تزود به ,
وان كان سيئا فقد عاد بالسوء على من تزود به , وأنا أتصفح إحدى البحوث الأخلاقية
لسماحة السيد الصرخي الحسني " دام ظله " والذي يحمل عنوان ( الرحيل إلى الآخرة
) ...
http://www.al-hasany.net/ethics-hereafter
/
" رابط الكاتب " ...
وجدت أن سماحته " دام ظله " قد
أعطى وشخص كيفية التوفيق وتحقيق التوازن في عمل الإنسان بين الدنيا والآخرة وبصورة
تجعله يفوز بالدارين " الدنيا والآخرة
" , إذ يقول سماحته " دام ظله " ...
{ ... الإنشداد و الارتباط
و التعلق بالدنيا و زخرفها من الترابيات و العنصريات من غريزة الإنسان لأنه مخلوق منها،
فيحب و يرغب في جمع ما يؤمل البقاء، و يطلب و يسعى للحصول على ما يكفيه في حياته، و
مثل هذا الطموح و الأمل ليس فيه بأس فيما إذا كان السعي لتحقيقه من اجل الخير و الصلاح
و السعادة للفرد و المجتمع في الدنيا و الآخرة طبقاً للتعاليم الإسلامية.
أما إذا كان ذلك الطموح و الأمل من أجل توفير الرغبات الشخصية المادية
بصورة مجردة عن الارتباط بالخالق و المنعم و المعبود المطلق، و مجردة عن الارتباط بأخيه
الإنسان و بعيدة عن تحقيق الألفة و الأمان في المجتمع الإنساني، , فمثل هذا الأمل والطموح
داء عضال يوصل الإنسان إلى العمى والضلال وقطع دابر التفكير المنطقي العلمي الصحيح
بسبب تفاقم المرض القلبي وتراكم ظلمته لارتكاب المعاصي والرذائل , فيحصل الرّين والطبع
على القلب فلا مجال للهداية والصلاح , وكذلك فيما إذا وافاه الأجل فلا تتوفر له الفرصة
للتوبة وتطهير النفس والقلب . وقد ورد عن المعصومين(عليهم السلام) : {ما طال عبد الأمل
إلا أساء العمل}.
والشارع المقدس
الحكيم وضع علاجاً لاستئصال هذا الداء العضال, فأرشد الإنسان وحثه على الاعتبار والاتعاظ
لتحديد الطريق والسلوك الصحيح القويم وما يترتب عليه , وفي نفس الوقت استعمل أسلوب
التهديد والوعيد لحث الإنسان على الامتثال، فأشار إلى العقوبات الدنيوية والأخروية
التي سيتعرض لها فجعل الموازنة في حياة الإنسان فلا إفراط في الأقدام على الدنيا ولا
تفريط في الإعراض عنها ، بل جعل الإقبال على الدنيا بمقدار ما أحل للإنسان والتزود
منها للآخرة لأنها دار البقاء والقرار..
والموت وأهواله
وعذاب القبر وأهوال البرزخ والنشر والحشر وجهنم كل ذلك وغيره يُمثل أوضح مصاديق الاتعاظ
والاعتبار لعلاج داء طول الأمل لتصفية وتنقية النفوس والقلوب والابتعاد عن الرذائل
والموبقات والالتزام بالأحكام والمنجيات...} .
الكاتب :: احمد الملا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق