احمد الملا
النكوص هو التراجع والإحجام عن الشيء, فبعد أن
يقدم الشخص على أمر ما ويتبين له إن هذا الأمر فيه هلاك أو فيه خسران يتراجع عنه
مباشرة ويحاول أن يدرك نفسه من الهلاك, قال تعالى {وَإِذْ زَيَّنَ
لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ
وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ
الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ
مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ
شَدِيدُ الْعِقَابِ }.
وهذه الآية الكريمة تكشف كيف نكص وتراجع
الشيطان وهرب بعد أن رأى العذاب والهلاك المحدق به وبمن تبعه, بنما هو في بداية الأمر
حفز الناس وأعطاهم الدافع ورغبهم في القتال, جاء في تفسير الطبري ص 183...
{قال أبو جعفر:...
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة,
عن ابن عباس, قال: جاء إبليس يوم بدر في جُنْد من الشياطين، معه رايته، في صورة رجل
من بني مُدلج، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي, فقال الشيطان للمشركين:
( لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ), فلما اصطف الناس, أخذ رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم قبضةً من التراب فرمى بها في وجوه المشركين, فولَّوا مدبرين, وأقبل
جبريل إلى إبليس, فلما رآه, وكانت يده في يد رجل من المشركين, انتزع إبليس يده فولَّى مدبرًا هو وشيعته, فقال الرجل:
يا سراقة، تزعم أنك لنا جار؟ قال: ( إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب)،
وذلك حين رأى الملائكة. }.
وهنا نلاحظ إن سراقة كان من سادة القوم ومن
زعمائهم وشجعانهم لهذا تشبه الشيطان به دون غيره من المشركين...
وهذه الواقعة التي نستذكرها في هذا الطرح
نراها اليوم تتكرر في إحدى المشاهد العراقية الكثيرة التي تقمص بها الشيطان دور
احد الرموز السياسية أو الدينية ومن يلوذ تحت عباءتهم من سياسيين أو وعاظ سلاطين,
نرى إن مسألة النكوص والهروب وتغير المواقف خصوصا في مؤسسة النجف الدينية كموقف
الشيطان في ذلك اليوم, فبعد أن زينت للناس – أتباعها – مسألة القتال والحرب
الطائفية وأجارتهم وساندتهم ووقفت لجنبهم بفتوى الجهاد الكفائي وجعلتهم يعيثون بالأرض
الفساد وأمعنوا بالقتل وبالسلب وبالنهب وبانتهاك الأعراض والأموال والمقدسات
وطالبت الحكومة بصرف رواتب ومخصصات مالية لهم, وبعد أن جعلتهم يعتقدون ويؤمنون بان
الفوز حليفهم وان عدوهم هم أهل السنة خصوصا من يسكن المناطق الغربية وأعطتهم الضوء
الأخضر لاستباحة دماء أولئك وسخرت لهم كل الإمكانيات وخصوصا الإعلامية وزينت
موقفهم وعملهم.
بعد هذا كله نراها اليوم قد تراجعت عن هذا
الموقف, ونكصت على عقبيها تحاول التفلت من فتوى الجهاد فتارة تقول إن التطوع
للجهاد يجب أن يكون ضمن قوات الجيش والشرطة وتارة أخرى تتهم من لبى فتوى الجهاد بأنه
قاتل واستباح الأموال والأعراض, واخرى تحذرهم من المساس, وبعد هذا كله ايضا نراها
تحولت من موقف الموالاة لإيران الراعي الطائفي الأول في العراق وتنكث يدها من
الذين اعتقدوا بها وتهرب إلى إقامة علاقة ودية مع السعودية التي كانت قبل أيام
قلائل هي الراعية الرسمية للإرهاب في العراق ؟!.
بل إنها تأمر بإقامة تلك العلاقات الدولية مع
تلك الدول التي اتهمتها سابقا بالإرهاب؟! بعد أن أحست بنها متعرضة للهلاك لا محال
وان حليفتها إيران التي كانت تقف معها تسير نحو الهاوية والتشقق والسقوط ورأت
المؤسسة الدينية ذلك الأمر وأحست به قررت الحفاظ على مكانتها وهيبتها وسطوتها
واملاكها وواجهتها فتحولت من جانب إيران إلى جانب السعودية ومن يقف خلفها من دول
غربية!! هكذا نكصت المؤسسة الدينية في العراق بعد أن زينت لشيعتها النصر المزيف
والمصطنع والذي كان فقط على شاشات التلفاز بينما ارض الواقع تشهد لها سبايكر
والصقلاوية والسجر وعامرية الفلوجة وبقية المناطق الأخرى التي يقتل فيها يوميا
المئات ممن زين له القتال تحت غطاء المؤسسة الدينية في النجف؟! فأين هذا التزين وأين
الثبات على الموقف ؟ ولماذا هذا التغير في الموقف والتحول من الولاء للكفة الشرقية
إلى الولاء للكفة الغربية ؟!
وهذا ليس بجديد على هذه المؤسسة التي أصبح
النكوص وتغير المواقف من أخلاقياتها, فكثيرة هي المواقف التي تدل على تراجعها
وتغير الموقف عندها, فبالأمس أفتت لصالح النظام السابق وضرورة الدفاع عنه وبعدها
حرمت الجهاد ضد المحتل...
يقول السيد الصرخي الحسني في محاضرته
العقائدية التاريخية الثلاثون التي ألقاها يوم السبت / 22/ 11/ 2014م ...
{... يضاً فقط لشاهد
الحال ونحن نمرُّ الآن في هذه الأيام نمرُّ في حالة تناطح وصراع وقتال وتقاتل وسفك
دماء وتقطيع الرقاب والأوصال وحرق الجثث وسحل الجثث والتمثيل بالجثث والتهجير والاعتداء
على الأموال والأعراض وكل ما وجد في الأرض وعلى الارض وفي السماء، فقط أتى في بالي
شاهد الحال، يقول تعالى:
((وَإِذْ زَيَّنَ
لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ
وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ
إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ
شَدِيدُ الْعِقَابِ))
بأي صورة أتى الشيطان؟أتى
الشيطان بصورة المرجع، أتى الشيطان بصورة وكيل المرجع، أتى الشيطان بصورة المعتمد
(معتمد المرجع) أتى الشيطان بصورة رجل الدين، أتى الشيطان بصورة الروزخون، بصورة الخطيب... ماذا قال؟ بعد أن زيّن لهم
قال لهؤلاء أن القضية محسومة وأنصار الحسين وأتباع الحسين وأحباب الحسين والمشاية إلى
الحسين واللطّامة على الحسين ولواء الحسين وكذلك باقي الأسماء، كما يقال للجانب الآخر
أيضاً لنصرة الخليفة الأول أو الثاني أو أم المؤمنين أو أعراض النبي أو منهج التوحيد
أو نصرة الله وغير هذا من ادعاءات, والآن ماذا حصل؟ لما بدأ الانكسار والانهزام تراجع
الشيطان، أتى الشيطان بصورة العالم بصورة المتصدي بصورة الرمز بصورة الشيخ بصورة الواجهة
بصورة المسؤول أتى الشيطان فقال لهم النصر لكم، الأرض لكم، العراق عراقكم, زيّن لهم
أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم أرسل أولاد الخائبة إلى الجبهات إلى القتال ليقاتلوا
أبناء جلدتهم ليقاتلوا أبناء وطنهم ليقاتلوا أبناء شعبهم ليقاتلوا أبناء عمومتهم، أبناء
أخوالهم، ليقاتل الجار والصديق والرحم فاختلطت الأمور وتصاعدت الصراعات وسفكت الدماء
ولا نعلم إلى أين سيكون الحال...}.